أحرجني ذلك الأستاذ الأمريكي من منهاتن بولاية نيويورك حين قال لي أن عماننا أغلى من منهاتنهم ، قبل ملاحظته أعترف أنني شاهدت وسمعت أناسا يمشون وهم يتكلمون مع أنفسهم ، وشاهدت أيضا مواطنين باعة ومشترين يتبادلون النكات على الأسعار ، الأستاذ من منهاتن بولاية نيويورك قال لي أن عمان أغلى من بلده ، وضرب مثلا: قبل أن يأتي استنسخ مجموعة من الورقات بدولار ونصف ، وحين جاء عمان صور نفس الورقات بستة دنانير ، ثم بدأ عملية مقارنة متكررة ، وخلص إلى نتيجة مفادها أن عمان أغلى من منهاتن ، على ذمته،.
بصراحة قبل أن أبلع القصة شعرت بشيء من الزهو: عمان أغلى من منهاتن ، يعني المواطن الأردني أحسن من الأمريكي ، لكن بعد لحظات أفقت من الحلم أو الوهم ، على كابوس،
القصة استمعت إليها سيدة إيطالية متزوجة من مواطن أردني ، وتعمل في منظمة إقليمية في عمان ، ثم أدلت بدلوها: تعمل هي وزوجها براتبين عاليين ، اقسمت أنها لم تعد تطيق الأسعار في عمان ، لها ولدان ولا تستطيع إنجاب الثاني ، خوفا من تكاليفه المنتظرة ، آخر مرة عملت عزومة في بيتها كانت منذ عام ، لم تجرؤ على عزومة أحد منذ ذلك التاريخ كي لا تتكبد مصاريف لا تستطيع حملها ، تقول لي أنها الآن في ظل الغلاء لا تستطيع ملء خزان وقود التدفئة ، وقد كانت تفعلها فيما مضى ، أكثر من ذلك ، باتت تقتصد في حاجياتها ، وتكتفي فيما هو موجود في المطبخ من مواد للأكل ولا تتزيد ، كما كانت تفعل فيما مضى ، تشكو بمرارة من الغلاء ، علما بأن تقديراتي أن راتبها وراتب زوجها لا يمكن أن يقل في أسوأ الأحوال عن ألفي دينار،.
القصة كبيرة ، صدقوني ، ربما بالغ ذلك الأستاذ الأمريكي ، وربما اسرفت تلك السيدة الإيطالية بالوصف ، وربما كانت الأخيرة تعيش حياة باذخة مسرفة ، اضطرت مع الغلاء لتقنين البذخ ، ربما ، لكن ما هو مؤكد أن الحياة ولعت في بلادنا ، إلى حد لا يمكن أن يحتمله لا غني ولا فقير ، أنا بكل جد خائف من المستقبل ، ولم يعد يجدي أي أسلوب تقليدي في "كبح جماح ،"
وحش الغلاء ، الإجراءات الرقابية الحكومية لا تكاد تعني شيئا ، شأنها شأن ما قيل عن إعفاء بعض السلع من ضريبة المبيعات ، خذوا القهوة والشاي ، وهما سلعتان أعفيتا من الضريبة ، ومع ذلك ظلتا كما كانتا ، التخفيض كان مجرد خبر ، لم يترجم إطلاقا على جيب المواطن ، أما ما يقال عن مراقبة السوق ، فهو مجرد إشاعة ، ونفسي ومنى عيني ألمس هذه الرقابة ، كما ألمس نيران الأسعار وهي تلهب ظهورنا ، أو على الأقل ، ليت هذه الرقابة نصادفها مرة في العمر، نحن لا "نتشكون" بل ربما نضيء الضوء الأحمر للمرة الأخيرة ، هناك غلط ما في الموضوع ، لا أعرف بالضبط ما هو ، يكفي أن تصعد إلى سيارة تاكسي كي تعلم أن البنزين الجديد مثلا ، يتطاير كما الهواء ، و"الشوفيرية" يضربون رؤوسهم ، وبعضهم يلف قليلا في البلد كي يستطيع أن "يجمد" دينارا ونصف الدينار ، ليعود بربطة خبز وبعض حبات من الفلافل لأسرته ، أما حليب الأولاد ، فقد أصبح ذكرى ، وعلى سيرة الفلافل ، سقى الله أيام ساندويشات الفلافل(،) فقد وصل سعر السندويشة مع حمص وسلطة سواء كان بخبز عادي صغير او خبز حمام صغير حوالي 30 قرشا ، تخيلوا معي لو أرادت عائلة من ستة أفراد أن تشم هوا وتطلع تأكل فلافل كم سيكلفها هذا مع مشروب غازي صغير (صار ثمن العبوة الصغيرة بربع دينار،) ، أنا متأكد أنه صار من الأسهل لها أن تأكل هوا ، أحسن من شمه،، صدقوني ، هناك شيء غلط ، ولكن ما هو؟،
الدستـــــــــــــــــور